استقبال قضاء الله
الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الضر كما هو خالق النفع، والضر يلفت الانسان الى نعم الله تعالى في الدنيا فاذا ما رضي الانسان وصبر فان الله يرفع عنه الضر، فالضر لا يستمر على انسان الا اذا كان غير راض بقدر الله.
والحق سبحانه وتعالى لا يرفع قضاءه في خلقه الا بعد أن يرضى به الخلق، فالذي لا يقبل بقضاء الله في المصائب مثلا تستمر معه المصائب، أما الذي يريد أن يرفع الله عنه القضاء فليقل: رضيت بقضاء الله تعالى، ويحمد الله على كل ما أصابه.
والحق سبحانه وتعالى يعطينا نماذج على مثل هذا الأمر فها هو ذا الخليل ابراهيم عليه السلام يتلقى الأمر بذبح ابنه الوحيد اسماعيل عليه السلام، وهذا الأمر قد يراه غير المؤمن بقضاء الله شديد القسوة، وليس هذا فقط، بل على ابراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه بنفسه.. وهذا ارتقاء في الابتلاء، ولم يلتمس ابراهيم عذرا ليهرب من ابتلاء الله له، ولم يقل انها مجرد رؤيا وليست وحيا فقد جاء الأمر في رؤية أراها الله لابراهيم عليه السلام.
ولنتأمل عظمة الرضا في استقبال أوامر الله فيلهمه الحق أن يشرك ابنه اسماعيل في نيل ثواب الرضا فيقول له كما قصّ القرآن الكريم:
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
{الصافات/102}
لقد بلغ اسماعيل ذروة السعي في مطالب الحياة مع أبيه، وجاء الأمر في المنام لابراهيم أن يذبح ابنه، وامتلأ قلب اسماعيل بالرضا بقضاء الله، ولم يقاوم، ولم يدخل في معركة جدلية بل قال:{ ياأبت افعل ما تؤمر} لقد أخذ اسماعيل عليه السلام أمر الله بقبول ورضا ولذلك يقول الحق سبحانه عنهما معا:
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ {الصافات/103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {الصافات/104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {الصافات/105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ {الصافات/106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {الصافات/107}
لقد اشترك الاثنان في قبول قضاء الله برضا، وأسلم كل منهما للأمر، أسلم ابراهيم كفاعل، وأسلم اسماعيل كمفعول به, ورأى الله تعالى صدق كل منهما في استقبال أمر الله، وهنا نادى الحق خليله ابراهيم عليه السلام لقد استجبت أنت واسماعيل الى قضائي وحسبكما هذا الامتثال، ولذلك يجيء اليك والى ابنك التخفيف.
اذن، فنحن البشر من نطيل على أنفسنا أمد القضاء بعدم قبولنا له، لكن لو سقط على انسان أمر بدون أن يكون له سبب فيه واستقبله من مجريه عليه وهو ربه بمقام الرضا فإن الحق سبحانه وتعالى سيرفع عنه القضاء،
فاذا رأيت انسانا طال عليه أمد القضاء
فاعلم أنه فاقد الرضا
***************************
من الكتاب القيم
الفضيلة و الرذيلة
للشيخ الفاضل / محمد متولى الشعراوى